الرئيسية / من / قصص وعبر / الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها) – محمد علي المعلم 4

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها) – محمد علي المعلم 4

دورهما الكبير الفعال في سلوك الوليد ونشأته وانعكاس أخلاق الأبوين عليه.

وقد ذكر المؤرخون وعلماء الأنساب أن أم السيدة المعصومة هي تكتم، وتسمى نجمة، وأروى، وسمانة، وأم البنين، وخيزران، وصقر، وشقراء، والطاهرة، ولنا حديث حول تعدد الأسماء سيأتي.

وهي وإن كانت جارية أم ولد إلا أن لها من الفضل والجلال والعفة والعبادة ما فاقت به نساء زمانها فكانت بذلك قرينة لإمام معصوم، وأما لإمام معصوم، وسنشير إلى بعض خصائصها ومميزاتها فيما سيأتي.

أمهات أكثر الأئمة (عليهم السلام) من الجواري… لماذا؟!
والذي نريد أن نتناوله بالبحث هنا ظاهرة الجواري وأمهات الأولاد، فإن مما يدعو إلى الالتفات ويثير التساؤل هو أن أكثر أمهات الأئمة جوار من غير العرب، فأم كل من السجاد والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري والحجة (عليهم السلام) أمهات أولاد، وقعن في الأسر، واقترن بهن الأئمة (عليهم السلام)، مع أنه لا يغيب عن بالنا ما يجري في سوق العبيد والجواري، مضافا إلى أن مسألة الإمامة ليست من المسائل العادية، فإنها تستوجب الحيطة والحذر في كل ما يرتبط بولادة الإمام المعصوم وتربيته ونشأته، وكما أن الأب ينبغي أن يكون في أعلى درجات الكمال الممكن، فكذلك الأم وعلى ذلك قامت الأدلة.

وهذا البحث جدير بالعناية والدراسة، وإنما نذكره هنا لصلته القوية بما نحن فيه، وذلك لما أشرنا إليه من أن السيدة المعصومة شقيقة الإمام الرضا (عليه السلام) فأمهما واحدة وهي السيدة تكتم.

والسؤال الذي يواجهنا هو ما هو السر في اختيار الأئمة (عليهم السلام) للجواري من دون الحرائر العربيات من البيوتات الرفيعة ذات المنزلة الاجتماعية؟ ولماذا يقترن الأئمة (عليهم السلام) بالجواري ليلدن لهم أفضل الأولاد والبنات؟

وللإجابة عن ذلك لا بد أن نسلط الأضواء على بعض المفاهيم العامة والركائز الأساسية ذات الصلة بما نحن فيه لنخرج من خلالها بما يرفع الغموض والإبهام عن هذه المسألة.

والذي يظهر من خلال دراسة بعض المفاهيم العامة والقواعد الأساسية أن وراء اختيار الأئمة (عليهم السلام) الجواري أسبابا أهمها ثلاثة.

الأول: إن مما لا شك فيه أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) – كما نعتقد وعليه قامت الأدلة – قد أوتوا العلم بحقائق الأمور والأشياء ومعرفة مداخلها ومخارجها، ومنها العلم بأحوال الناس وخصوصياتهم، وقد ورثوا ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو أطلعهم الله تعالى عليه لنفوذ بصائرهم، وصفاء نفوسهم وطهارة ذواتهم، ولما كان الأمر يتعلق بالإمامة ومنصب الولاية فلا بد من اختيار الوعاء الطاهر، والأصل الزاكي، والحجر العفيف الذي سيكون حاملا وحاضنا لولي الله، وخليفته على العباد، والحجة على الخلق، ويعد ذلك من المسلمات البديهية في عقيدة الشيعة الإمامية،

وإنما وقع اختيار الأئمة (عليهم السلام) على هؤلاء الجواري من دون سائر النساء لعلمهم (عليهم السلام) بأنهن قد جمعن شرائط الاقتران بالمعصوم (عليه السلام) وصلاحيتهن للأمومة التي ستنجب الإمام المعصوم إذ كما يشترط أن يكون الآباء طاهرين مطهرين فكذلك الحال بالنسبة للأمهات.

وغني عن البيان مدى تأثير الأم على ولدها، فإن لعامل الوراثة مدخلا كبيرا في التكوين الخلقي المنعكس على الولد من قبل أبويه، كما نصت عليه روايات أهل البيت (عليهم السلام) وأيدته البحوث العلمية التي عنيت بهذا الجانب في حياة الإنسان.

ومما يؤيد هذا الوجه أن الإمام (عليه السلام) قد يختار واحدة بعينها من دون سائر الجواري اللاتي عرضن للبيع، وقد تكون غير صالحة – بحسب المعايير المادية – للبيع والشراء إلا أن الإمام (عليه السلام) لا يختار غيرها، بل تذكر المصادر أن هذه الجارية – مثلا – قد تمتنع عن الاستسلام لأي مشتر يتقدم لشرائها حتى يكون الذي يشتريها هو الإمام (عليه السلام)، مع أنها في ظروف لا تملك من أمرها شيئا، الأمر الذي يؤكد على أن هناك تخطيطا إلهيا متقنا لأن تكون هذه المرأة قرينة للإمام (عليه السلام) وقد أعدها الله تعالى لتصبح أما للمعصوم (عليه السلام).

روى الصدوق بسنده عن هشام بن أحمد، قال: قال أبو الحسن

الأول (عليه السلام): هل علمت أحدا من أهل المغرب قدم؟ قلت: لا، فقال (عليه السلام):
بلى، قد قدم رجل أحمر، فانطلق بنا، فركب وركبنا معه حتى انتهينا إلى الرجل، فإذا رجل من أهل المغرب معه رقيق، فقال له: اعرض علينا، فعرض علينا تسع جوار كل ذلك يقول أبو الحسن (عليه السلام): لا حاجة لي فيها، ثم قال له: اعرض علينا،
قال: ما عندي شئ، فقال له: بلى اعرض علينا، قال: لا والله، ما عندي إلا جارية مريضة، فقال له: ما عليك أن تعرضها، فأبى عليه، ثم انصرف (عليه السلام)، ثم أرسلني من الغد إليه، فقال لي: قل له: كم غايتك فيها؟ فإذا قال: كذا وكذا فقل: قد أخذتها، فأتيته، فقال: ما أريد أن أنقصها من كذا، فقلت: قد أخذتها، وهو لك، فقال: هي لك، ولكن من الرجل الذي كان معك بالأمس؟
فقلت: رجل من بني هاشم، فقال: من أي بني هاشم؟ فقلت: من نقبائهم، فقال: أريد أكثر منه، فقلت: ما عندي أكثر من هذا، فقال:
أخبرك عن هذه الوصيفة، إني اشتريتها من أقصى بلاد المغرب، فلقيتني امرأة من أهل الكتاب فقالت: ما هذه الوصيفة معك؟ فقلت:
اشتريتها لنفسي، فقالت: ما ينبغي أن تكون هذه الوصيفة عند مثلك، إن هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض، فلا تلبث عنده إلا قليلا حتى تلد منه غلاما يدين له شرق الأرض وغربها، قال: فأتيته بها، فلم تلبث عنده إلا قليلا حتى ولدت له عليا (عليه السلام) (1).

(1) عيون أخبار الرضا ج 1 ص 17 – 18.

ونقل المحدث القمي أنه (عليه السلام) لما ابتاعها (أي تكتم) جمع قوما من أصحابه ثم قال: والله ما اشتريت هذه الأمة إلا بأمر الله… (1).
على أن المرأة التي يقع اختيار الإمام (عليه السلام) عليها لم تكن من عامة الناس، بل من أشرف النساء، وذات مكانة في قومها، غير أنها وقعت في الأسر وجرها ذلك إلى سوق النخاسين.

روى الشيخ الطوسي بسنده عن محمد بن بحير بن سهل الشيباني أنه قال: قال بشر بن سليمان النخاس وهو من ولد أبي أيوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن وأبي محمد وجارهما بسر من رأى: أتاني كافور الخادم. فقال: مولانا أبو الحسن علي بن محمد العسكري يدعوك إليه، فأتيته، فلما جلست بين يديه قال لي: يا بشر إنك من ولد الأنصار، وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، وأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإني مزكيك ومشرفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة بسر أطلعك عليه، وأنفذك في ابتياع أمة، فكتب كتابا لطيفا بخط رومي ولغة رومية،

وطبع عليه خاتمه، وأخرج شقيقة صفراء فيها مائتان وعشرون دينارا.
فقال: خذها، وتوجه بها إلى بغداد، واحضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وترى الجواري فيها، ستجد طوايف المبتاعين من وكلاء قواد بني العباس، وشرذمة من


(1) منتهى الآمال ج 2 ص 406.

(٢٨)

شاهد أيضاً

العقل والجهل في الكتاب والسنة – محمد الريشهري

– عنه (صلى الله عليه وآله): تبارك الذي قسم العقل بين عباده أشتاتا، إن الرجلين ...